عشر سنوات مضت على قصة لموظفة في دائرة حكومية أخبرتني بها أثناء شرودها حين وقف الحاسوب عن العمل، خلعت النظارة الشمسية التي وضعتها ضمن المكتب لتشير خلسة إلى بقعة زرقاء مُخضرّة تحت عينها، وكأنها بحاجة للحديث مع صديقة “المرة الواحدة”، هذا النوع من الصداقات اللحظية مهم جداً نبوح من خلاله بقصص صغيرة كبيرة دون ذكر الأسباب القريبة والبعيدة والخوض في تفاصيل مملة ومتعبة.. أخبرتني حينها أن تلك اللوحة رُسمت بريشة زوجها الثقيلة مساء اليوم الفائت، وقد لوّنها بحضور أخيها الذي يكبرها بسبع سنوات بل بطلب منه عندما اقتحم منزلها وأخبر زوجها أن تلك “الفلتانة” وضعت صورة شخصية على “الفيس بوك”!! بالطبع رسمتم الآن صورة ذهنية لفتاة من عائلة متعصبة ترتدي ربما خماراً لكن الأمر أكثر تعقيداً وليس كما يظهر في المسلسلات الساذجة، الشابة هذه غير محجبة والأمر ليس بحجة الدين ولا الأخلاق إلا أنه نابع من معتقدات ودساتير اجتماعية رثة، تلك الموظفة من قرية صغيرة تحجز المقعد الاخير في قطار الحياة للنساء فقط ولا يجوز لهن التغيير ولا التفكير، ليس لهنّ حقٌ في الميراث ولا القرار ولا حتى النقاش.. لكن جلّ ما كان يؤلم تلك المرأة هو رؤية ابنها الصغير لمشهد ضربها بينما يفخر الأخ برجولة صهره.. التزمتُ الصمت ليقيني أنها بحاجة لمستمع فقط إلا أن سؤالاً فضولياً خرج مني عنوةً.. (ما ماهية تلك الصورة؟) لتكن الإجابة أنها صورة شخصية عادية بخلفية بيضاء كالتي على الهوية لكن اعتبرتها العائلة قلة احترام من امرأة متزوجة وأم.. وهذا ما أجبرهم على تأديبها!! انتهى حديثها عندما صاح أحد الموظفين معلناً عودة الحاسوب للعمل فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح بانتظار إشراقة الصباح.. ماسحة دموعها بباطن كفها وكأنها تلمها وتدخرها لصديقة عابرة أخرى في استراحة أخرى للحاسوب.. ظلت تلك القصة تؤلم ذاكرتي طويلاً وخاصة عندما انتقلت للعيش في ألمانيا، صرت أفكر مليّاً في عشرات القصص التي سمعتها من نساء لا ملجأ لهن.. نساؤنا العربيات للأسف بلا سند حقيقي بلا دعم مادي ومعنوي.. لو كان للمرأة في الدول العربية حقوقاً كالدول المتقدمة وأبسطها وجود جهة داعمة لها تسندها في حال غدر جاء من جميع ذويها، لو كان لها سند مادي وسند نفسي من مختصين وسند حكومي في أخذ حقها، لو كانت مثل المرأة في الدول المتقدمة تتصدر المقعد الأول في قطار الحياة بجدارة حيث يُلزمها القانون بواجبات ويقدّم لها حقوقها كاملة دون نقصان.. لو…….لو… دون جدوى.. ترى متى ستعود شهرزاد العربية للبطولة؟ متى سيكون لها ملاذ آمناً؟ متى ستقف على أرض صلبة؟
Views: 0
Discussion about this post