نصف المجتمع كما أجمع العالم اليوم، هذا اليوم هو اليوم الذي يحتفي فيه العالم بتقدير جهود المرأة وإثرائها لمجتمعها على نهضته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يعود هذا اليوم لعام 1914، حيث تجمّعت نساء اشتراكيات في الثامن من مارس للمطالبة بحق الاقتراع للنساء في النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا. وشهد هذا التاريخ أول مظاهرة فعلية.
ثم في الثامن من مارس عام 1945 تم انعقاد الجلسة التأسيسية لمؤتمر الاتحاد النسائي الديمقراطي الدولي في باريس ليُحدد هذا اليوم عيداً عالمياً واحتفالاً بالمرأة، فهي طبيبةً كانت أم محامية، معلمة أم ربة منزل تقدم خدماتها وأعمالها لمجتمعها في ظروف قاسية في شتى أصقاع الأرض. وفي خضم الجائحة التي تعصف بالكوكب أجمع والتي تهدّد ملايين البشر … يظهر دور عاملات الرعاية في القطاع الصحي في التصدي لهذا الوباء. إنّ هؤلاء الكائنات هنّ جزء من هذا الاحتفال العالمي الذي يسلط الضوء على الممرضات بعد الوباء الذي عاشه العالم أجمع.
فتقف النساء في الخطوط الأمامية لجبهة التصدي للوباء بوصفهنّ عاملات ومبتكرات وناشطات مجتمع ونماذج رائعة للقيادات الفاعلة في جهود التصدي له. وركّزت الأزمة على مساهماتهنّ كممرضاتٍ في التخفيف عن المصابين ومنحم الرعاية الكاملة والسهر على راحتهم، وهذا ما لاحظناه في جميع أنحاء العالم، فكل المراكز والمستشفيات ودور الحجر الصحي تعجّ بملائكة الرحمة اللائي تركنَ بيوتهن وأُسَرهن وأبناءهن للوقوف بجانب من أهلكه هذا الفيروس وتقديم الرعاية والسهر مع آلام المرضى. وكما هو واضح، إنهنّ أكثر عُرضةً للعدوى والإصابة بالفيروس من أي أحدٍ آخر لاحتكاكهن المباشر مع المصابين، لكن اختارت هذه الممرضة أن تبقى في عملها والتضحية بنفسها حتى تحقق هدفها النبيل وترى مريضها يُشفى ويُعافى، وتجدُ معظم هؤلاء البطلات يفضلن المكوث في مكان العمل والبقاء فيه وتحمل الضغوط على العودة لبيتهن وأبناءهن، لتجنب نقل الفيروس لأحد أفراد أسرهن وتعريضه للخطر. فلك أن تتخيل ما هو حجم المعاناة والألم النفسي الذي تعيشه هذه الممرضة وهي بعيدة عن ابنها وأسرتها وبيتها …
إن الاحتفاء بالجهود الهائلة التي تبذلها الممرضات في كل أرجاء العالم في سبيل التخفيف من أزمة COVID-19 هو أقل ما يمكن أن يقدمه المجتمع لهذه المهمة النبيلة في هذا اليوم وكل يوم، وعلى الرغم من أن اليوم العالمي للمرأة والفتاة هو حملة كبيرة للمساواة الرائدة التي تدعو إلى حق المرأة في صنع القرار في جميع مجالات الحياة وحقها في الأجر المتساوي، وتحقيق المشاركة المتساوية في الرعاية والعمل المنزلي، فإن لملائكة الرحمة هذا العام النصيب الأكبر من هذا اليوم لدعمهن والتركيز على جهودهن وتضحياتهن وفقاً للظروف الراهنة التي يمر بها عالمنا.
لمَ لا وقد قدّمن هؤلاء الجنديات مئات الشهيدات أثناء قيامهنّ بواجبهنّ، لكن حربهنّ آلت إلى سقوطهنّ في أرض المعركة ليتركنَ الراية لغيرهنّ من بنات المهنة السامية ليرفعنها عالياً وينتقلن لمعركة أُخرى في هذه الحرب الشعواء التي اختارت ملائكة الرحمة ليكُنّ في الصفوف الأمامية. فهل قليلٌ عليهنّ أن يتذكرهنّ العالم ويعطيهم حيّزاً كبيراً في اليوم الذي يحتفل بالنساء بشكل عام.
وفي عام 2021، تواجه النساء تحديات جديدة في العمل نتيجة لأزمة COVID-19 فقد فضل الجميع تنحية المرأة عن العمل في ظل هذه الظروف الصعبة، حيث تتوجه معظم الشركات والمؤسسات لإعطاء العاملات فيها إما إجازات وإما تسريح من العمل لمسؤوليتها الكبيرة في إدارة الأسرة ورعاية الأطفال، فبحسب تقرير “McKinsey، Women in the Workplace 2020” من الحتمل أن يتم تسريح النساء في الولايات المتحدة أو إجازتهن، أو دفعهن إلى التفكير في ترك وظائفهن.
لكن لا غنى أبداً عن العاملات في القطاع الصحي، فالعمل الذي تقوم به النساء عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية والاعتناء بالمرضى لا يُستهان به ولا يمكن لأحدٍ أن يفكر بالاستغناء عنه أو تقليل هذه الجهود لأدنى حد كما هو حال باقي المؤسسات والهيئات.
وعلى الرغم من هذا المجهود الكبير والتضحية الفذة، فإننا نجد هؤلاء الكائنات يتعرضن للظلم، حالهن حال العالمات والطبيبات اللواتي يعملن كصفوف أولى في التصدي للوباء، حيث يتقاضين رواتب تُقدّر أقل بنسبة 11% من نظرائهن الذكور. فمن 87 دولة نجد فقط 3.5 بالمئة فقط من حقق التكافؤ من حيث النوع الاجتماعي. وقد تولت النساء قيادة بعض الاستجابات الأكثر فاعلية ومثالية لجائحة كوفيد-19. ومع ذلك، فإن النساء دون سن الثلاثين يمثلن أقل من 1% من أعضاء البرلمانات في جميع أنحاء العالم.
وفي نفس السياق، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى بثها الصوتى الأسبوعي: إن النساء قبل كل شيء هن اللواتى يواجهن تحديات خاصة فى الوقت الحالى من خلال التزامهن الدؤوب فى المهن الاجتماعية ومهن الرعاية. وأضافت: إن أكثر من 75 % من العاملين فى القطاع الصحي – من الممارسات الطبية والمستشفيات إلى المختبرات الطبية والصيدليات هم من النساء، ومن ناحية أخرى، لا يوجد سوى أقل من 30 % من النساء فى مناصب إدارية.
نهاية القول هذا هو السبب أن اليوم العالمي للمرأة لهذا العام هو صرخة حاشدة للأمم للعمل من أجل مستقبل متساوٍ للجميع. فالعاملات في القطاع الصحي من الممرضات والطبيبات والعالمات سيُكنّ مصدر إلهام صُنّاع القرار لرفع قيمة المرأة وعدم صرف النظر عن دورها الفعال والمؤثر في مجتمعها، فلولا ملائكة الرحمة لوجدنا مجتمعات تنهار بشكلٍ كامل، ولأصبح الوضع الصحي في معظم الدّول أكثر سوءاً وتأزماً. وسنجد في ذكرى هذا اليوم بلدان كثيرة في القارات الخمس تركز على المساواة والعدل في العمل والمجتمع بين الجنسين، خصوصاً بعد الدور الكبير والتضحيات التي قدمنها عاملات القطاع الصحي.
Views: 0