بقلم : حسين علي الأبطح
عندما تسمع اسم (اليابان) سيخطر في ذهنك كوكبٌ آخر يعج بالإلكترونيات والتكنولوجيا والاختراعات والأدمغة الحية، المخترعون والروبوتات والقطارات المعلقة وقطارات الأنفاق. يجول في خاطرك كوكبٌ جديد لا يصله بالكرة الأرضية صلة، إنه أشبه بأفلام الأنمي التي شاهدناها في طفولتنا. نعم …. إنها اليابان، لكن هل ذلك صحيح ؟
ليست كل المعلومات التي تتسم اليابان بوحدة شعبها ثقافياً ودينياً، وتولي حكومتها اهتماماً كبيراً بالعلم والثقافة، فمن الطبيعي أن يظهر سنوياً في اليابان علماءٌ ومخترعون ومبتكرون، لكن في النهاية هم من البشر، وذلك يعني أنّها لا تخلو من الأخطاء والنقص، حالهم حال كل دول وحكومات العالم. ففي هذه اليابان التي نعتبرها كوكب خيالي، ينقطع التيار الكهربائي في الصيف دائماً في القرى والبلدات الريفية البعيدة وكأنهم في دول العالم الثالث الذي لم يستخدم الطرق الحديثة لتوليد الكهرباء.
كما انتشرت صورة قيل أنها لوزير الطاقة، وأنه قد انحنى لمدة عشرين دقيقة بسبب انقطاع التيار الكهربائي لمدة عشرين دقيقة عن طوكيو ومحيطها، لكن هذا الأمر غير صحيح بتاتاً، فتلك الصورة هي لرئيس شركة هوندا وهو يحيي الحضور بالتحية اليابانية التقليدية فقط ؟؟؟ هذا كان اجتماع عادي لمجلس إدارة الشركة مع عملائها ومندوبيها.
ولن أزيد الطين بلة عندما أقول أن قطارات النقل في اليابان تتأخر عن موعدها المحدد بسبب قيام ورشات الصيانة بالإصلاحات المتكررة للأعطال التي تحدث بين الحين والآخر، أي أن الشخص في محطة القطار قد ينتظر خمس دقائق أو أكثر بعد الموعد المحدد، فهل يبدو ذلك مستغرباً؟ بالطبع لا، فأي إنسان معرض لوقوع ظروف قاهرة وأية آلة تحتمل أعطالاً تحتاج لتقويمٍ وصيانةٍ حتى تعمل بأداءٍ عالٍ كما كانت عليه.
كذبةٌ أخرى قيلت على لسان رئيس الوزراء الياباني السابق (شينزو آبي) وهي: أعطينا المعلم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي، وإجلال إمبراطور. فلم يتفوه بذلك لا هو ولا غيره من رؤساء الوزراء المتعاقبين على حكومات اليابان، إنما سوّقها آخرون لرفع قيمة المعلمين، رغم أن المعلم يجب أن يكون ذو حصانة وقيمة كبيرة في المجتمع، لكن لا يعني ذلك أن ننسب قولاً غير موجود أساساً في أيٍّ من دول العالم لشخصية كبيرة.
يُشاع عن اليابانيين أيضاً قيامهم بالانتحار بأعداد كبيرة، قد تصل للملايين سنوياً بسبب الترف والرفاهية المطلقة والرغبة بتجريب شيء جديد عن الحياة الطبيعية، وهو أمر غير صحيح بتاتاً. ففي عام 2019 بينت الوكالة الوطنية للشرطة اليابانية أنّ أعداد المنتحرين حوالي 19 ألف شخص، وهو أقل من السنوات الذي قبله، لكن يرجع خبراء سبب ذلك أن قيام معظمهم بالانتحار بسبب ديانتهم (وهي البوذية) التي تؤمن بتقمص الأرواح وانتقالها إلى أجسام أُخرى، فيأتي معظم الشباب الياباني لتجربة أرواحهم في أجسادٍ أخرى وليس لسبب الترف والغنى الفاحش وما إلى ذلك.
لا ينكر أحد أن اليابان واحدة من أكبر الدول الرائدة في المجال الصناعي والتقني والإلكتروني إن لم تكن هي الأولى في الجودة والقوة والمتانة في هذه المجالات. نعم، إن هذه الدولة القائمة على عدة جزر اكتسحت العالم باختراعاتها التي أذهلت العالم وتنظيمها العمراني في المدن الرئيسية، لكنها لا تخلو من الأخطاء والهفوات التي يغفل عنها الإعلام الياباني وغيره، ربما عن قصد. ويسودها جوٌّ من التعتيم لتأخذ دائماً المراكز الأولى في تصنيف الجمعيات والمنظمات الدولية.
Views: 0