في بلاد العجائب الوظيفية حيث تُزرع الإعلانات الوظيفية كما تُزرع الأمنيات في آبار جافة يظهر إعلان التوظيف النموذجي:
“مطلوب موظف ديناميكي، مبتكر، يجيد العمل تحت الضغط، بخبرة لا تقل عن 5 سنوات شرط أن يكون حديث التخرج!”
نعم؛ لا تستغرب هذا ليس لغزًا من كتاب “ألف نكتة ونكتة”، بل واقع يعيشه آلاف الخريجين الذين خرجوا من قاعات الامتحان ليجدوا أنفسهم في امتحان أكبر، كيف تكتسب خبرة قبل أن يُسمح لك بالاقتراب من باب الشركة؟
هناك حلول مقترحة من كوكب الموارد البشرية:
-اشتغل على حالك، أبدأ العمل في شركة وهمية من خيالك، وامنح نفسك شهادات خبرة من جامعة الحياة.
-تطوّع أولًا، اعمل مجانًا لساعات طويلة في بيئة تطلب منك أن تكون موظفًا، مديرًا، وساعي بريد في آنٍ واحد، ثم تُشكر على روحك الطيبة.
-ابدأ من الصفر لكن الصفر هنا ليس نقطة البداية، بل هو الراتب المقترح.
في بعض المقابلات، يُنظر إلى الخريج وكأنه مخلوق فضائي، “أين كنت في السنوات الخمس الماضية؟ في الجامعة.
آه، يعني ما اشتغلت؟ كنت أدرس.
طيب ليش ما اشتغلت؟ لأني كنت أدرس!
يعني ما عندك خبرة؛ نحن نبحث عن شخص قاد فريقًا دوليًا في أزمة اقتصادية!
مقابلات العمل اختبار صبر لا اختبار كفاءة في عالم التوظيف، يُفترض أن تكون مقابلة العمل مساحة للتعارف المهني وتبادل الأسئلة، لكن في الواقع تتحوّل المقابلة إلى جلسة استجواب من فيلم بوليسي ينقصها فقط المصباح المسلّط على وجهك.
يُسأل الخريج عن خططه المستقبلية، طموحاته، وحتى عن سبب اختياره لون القميص.
ثم تبدأ الأسئلة الفلسفية: وين بتشوف حالك بعد 5 سنين؟ بصراحة؟ إذا كنت عايش بجوابك.
سؤال كلاسيكي يُطرح على خريج لم يجد حتى الآن وظيفة واحدة،
ثم يأتي السؤال الأخطر، ليش بدك تشتغل عنا؟
لأني بحاجة شغل!.
ومن دون سابق إنذار يأيتك السؤال الحاسم حدثني عن نفسك؟
تجلس أمام شخص لا ينظر إليك، يكتب على اللابتوب، يهزّ رأسه دون أن يسمع، ثم يسألك:
شو نقاط ضعفك؟ الإجابة على هذا السؤال.
وشو نقاط قوتك؟ أنني مازلت أجلس هنا.
تنتهي المقابلة بابتسامة دبلوماسية:
“سنتواصل معك لاحقًا.” وهي مصطلح زمني فضفاض تعني في قاموس التوظيف: بعد أسبوع، بعد سنة، أو بعد أن تتقاعد أو انسَ أننا التقينا.
في كل إعلان وظيفي، لا بد أن تصادف الجملة الذهبية:
“نبحث عن شخص يستطيع العمل تحت الضغط.”
لكن ليس ضغط العمل بل ضغط الأعصاب، ضغط الوقت، وضغط الدم! تسليم 3 تقارير، 5 تصاميم، و10 مكالمات في نفس الساعة، مدير يرسل لك رسالة دون توضيح ثم يختفي، مكتب مشترك مع 6 موظفين وطابعة تصدر أصواتًا تشبه نداءات الاستغاثة، تقييمك السنوي يعتمد على انطباع المدير بعد فنجان قهوته.
أما الراتب فهو معادلة غير قابلة للحل، فالراتب حسب الخبرة، والخبرة حسب الراتب، والراتب سِرّ من أسرار الدولة.
فعندما تسأل عن الراتب، يُنظر إليك وكأنك ارتكبت جريمة أخلاقية؛ الراتب؟! نحن نبحث عن شغف، عن انتماء، عن شخص يحب العمل لوجه الله! يُطلب منك أن تكون خبيرًا في مجالك، متواضعًا كأنك مبتدئ، مرنًا كأنك بلا التزامات، ومتوفرًا فورًا كأنك بلا حياة، ثم يُعرض عليك راتب لا يكفي لشراء قميص المقابلة نفسه.
وفي الختام؛ عزيزي الخريج، لا تنسَ إذا بدك تشتغل أن تبدأ رحلتك المهنية بأحلامك أولاً وأملأ حقيبتك بالخبرات التي لم تعشها، ومهارات نادرة لا يتقنها إلا سكان المريخ، جهّز نفسك لمقابلة عمل تُختبر فيها قدرتك على إنقاذ الشركة من الإفلاس، إصلاح الطابعة، وقيادة فريق دولي، والراتب لا تسأل عنه، فهو صدقة وليس حق
فامضِ يا بطل، وكن الموظف الخارق، بطاقة نووية، كن سوبر مان.
Views: 9