الفنان والباحث حسين صقور (الفينيق ) مكتب المعارض
حين كان الفاتح يستحضر صور الذاكرة بحس طفولي من الشمال السوري كانت هناك علاقة مباشرة تربط الفنان جمال عباس بجذوره وببيئته المحلية بكل ما يميزها في الجنوب من تشكيلات موحية تتراءى له عبر الصخور الكتيمة وعجينة التراب التي يشكلها وفق منظوره من درجات البني الغنية التي تعيدك لونيا إلى زمن الكلاسيكية ولكن حضوره الزمني يأتي من خلال ما يميزه من مباشرة وتلقائية وعبر استرسال مع العجينة اللونية يأخذه لاتجاهات تعبيرية من حيث المعالجة ولرؤى تتوافق مع مقاطع تميل للتجريد عبر مشهديه أكثر اقتراباً تعكس الأثر المتبقي لتلك الآثار العالقة ما بين التراب والصخور
من الصعب على الناقد اكتشاف الاتجاه الفني عند جمال عباس ولكن يسهل عليه اكتشاف انتمائه لتراب الأرض فهو من حيث الصياغة قد يبدأ عمله بتشكيلات تنتمي لواقعية بدائية يوزع من خلالها مفرداته وشخوصه بطريقة تخدم تصوراته اللاحقة ليغنيها بتراكمات تخفي واقعيته تلك وتعطي القيمة لذلك الزخم اللوني المتحرك عبر إيقاع غنائي خاص بألوان خريفية تعكس عبر قيمها ذاك التوازن المطلوب ما بين الغوامق والفواتح والأبيض والأسود
الفنان جمال عباس ينتمي للواقعية من حيث الشكل فهو لا يميل لتحويرات تأخذه للتحطيم والبناء وتضيع واقعيته مع لمسات عجينته اللونية متقاربة القيمة لتنتمي لونياً للتعبيرية التجريدية عبر خطوطه وألوانه التي يصوغ من خلالها لوحته وألحانه
تعرفته اول مرة من خلال لوحته في مهرجان البحر من خلال مشاركتي مع مجموعة من الفنانين الذين سبقتهم اسماؤهم وأعمالهم من محافظات عديدة تمتد على مساحة الوطن الغالي كان عاشقا يغني التراب وكنت حينها اشعر برغبات حارقة لطرش التراب وتحريكه على سطح لوحتي ورغم اختلاف الأسلوبية كان يجمعنا ذاك العشق لدرجات التراب والدرجات البنية كما لقاء روحي
ولقائي الآخر به ضمن معرضة اللوحة الصغيرة وقد طرأ على لوحته تحولات كثيرة فرضتها المادة المستخدمة إذ وجد عبرها تلك الأريحية في العلاقة ما بينه وبين عمله عبر تمهيد أولي بخطوط حبرية حرة تمثل تشكيلات إنسانية مترابطة على خلفية رموز بيئتة المحلية وعلى خلفية الطبيعة المحيطة التي يستند إليها لتشكيل فراغ محيط يشعره بالامتلاء كونه ضمنيا لا يرتاح لمساحات غير مشغولة وهذا يعكس شخصية ترغب بقول أشياء كثيرة وتسعى لملء وحدتها المفروضة بإغناء حياتها بالحركة والنشاط فيصير الرسم المرافق للمعارض والحضور الدائم حاجة وضرورة تمنحه الشعور بارتياح ضمني
في سياق الحديث عن معرضه الأخير اللوحة الصغيرة نكمل فهو في المرحلة التالية لعمليات الرسم يفرش ألوان ذات طبيعة مائية وقد يقطع عمله هذا لاحقا بخطوط ماحية ومستقلة موجها المتلقي لمراوغة تعكس الإيحاء بعمل تجريدي ويبدو انه اكتشف أريحته مع هذه اللوحة التي لا تحتاج لكثير من التحضير والتي هي بمتناوله في اي وقت وضمن أي مكان سواء كان جالسا خلف طاولة و مقعد أو متكأً فوق أريكة ومسند فأوراقه وأدواته هي رفيقه الدائم على الطريق وهي بالنسبة له خير صديق
Views: 0