بقلم سليمان جمعة
أجاد النقد العربي في تقسيم الخطاب الى ثلاث شعب ، تكون كل واحدة منها بليغة اذا احسن الكاتب وضعها في موضعها ؛ فقالوا بالإيجاز والاطناب والمساواة. ومنهم من عد البلاغة في الايجاز .وتبعالذلك اسسوا لمقولة ” لكل مقام مقال” وتبعتها مقولة أخرى “مقتضى الحال”..بذلك ربطوا بين الخطاب ومرجعيته .وجاء النفّري الصوفي ليحدد افق التكثيف فقال :
“كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”
فربط بين الرؤية واللغة كمرجعية اخرى. وان نفيد من النقد الغربي الجديد نطل على مقولة المعادل الموضوعي الذي قال بها ت.س.اليوت واستاذه عازرا باوند ; فنرى عنترة يجيبنا عنها اذ يقول في مدح امه ..على الوافر. :
عجوز من بني حام ابن نوح
كأنّ جبينها حجر المقام.
فيوجز قصة العنصرية برده النسل الى اب واحد ابيضه واسوده اي نوح فسام اخو حام ومن اب واحد وام واحدة.. ودفاعا او انتقاما من اهله المعييرنه بسواد امه وعبديتها يقول انهم سيطوفون حول عزة جبينها الاسود كما يطوفون حول الحجر المقدس ;فيعادل انفعاله بصورة تمتد جذورها عميقا في وجدان العرب ممن يطوفون حوله ويعيبون عليه وعلى امه سواد لونهما.
فالتكثيف اذن يتصل بمرجعيته وقدرة الكاتب ان يوجز او يطنب او يساوي او يعادل حسبما تفرض عليه الروية والمرجع.. وبما تسعفه لغته وامتلاكه لها .
واذا ما عدنا الى نقادنا نسألهم عن التكثيف فنرى الجرجاني يجعل اللفظ خدما للمعنى ولكن ترتب التاليف النفس برقابة العقل ولا قيمة للفظة المفردة بذاتها الا اذا دخلت في التركيب .. فالصياغة عنده تتم بامرة انفعال النفس بموقفها من الحدث وهي تفكر به ..فتاتي على ما تطلبه قواعد النحو “من علم المعاني والبيان والبديع والاعراب والصرف”اي اللغة وبلاغتها ..
وقدشبه الجاحظ اللفظي الكتابة “الشعر” بالوشي والتصوير .ورأى الرماني انه ايصال المعنى الي النفس في احسن صورة..
التكثيف هو ان نعرف بدقة اساليب العرب وان نشرب البلاغة شربا فتكون نسغا ضمنيا للغة كل كاتب او شاعر .فنقول عنه كما نقول عن لغة جبران او شوقي والبارودي والعقاد ..والمنفلوطي.
اذن التكثيف ليس خاصا بالقصة القصيزة جدا وحسب انما هو ميزة الكتابة في الشعر والنثر على السواء.
اذن،
التكثيف في كتابة نص ما ليس اختزالا للبنية المعرفية التي شكلته….فالاختزال الصارم يحيل النص لرخام ..بارد …
كثرة الاوراق في الظل طريا…. ولا تنبت ورقة الا من صلب برعم ..له من نسغ الام نصيب…وقد نحتاج احيانا لتشذيب بعض الاغصان لتمر اشعة شمس المعنى بلا التباس.
سليمان جمعة
Views: 2









