الكاتب السوري : فراس السواح .
إعداد : ياسمين شهيله
الموضوع : رحلة جلجامش للبحث عن الخلود بناء على دراسة نصوص الملحمة السومرية و الأكادية القديمة .
تعد ملحمة “جلجامش” من أقدم القصص أو الأساطير المعروفة بعد حادثة الطوفان ، والتي اكتشفت في مدينة “نينوى” في العراق مكتوبة بالخط المسماري على 12لوحا طينيا ، تروي قصة أحد ملوك “أوروك” وهو “جلجامش” خامس ملوكها بعد الطوفان .
تذكر الملحمة نسب “جلجامش” على أنه ابن الألهة “ننسون” ، وأبوه الملك “لوجال بندا” ؛ وبذلك كان ثلثيه أله وثلثه بشر ؛ هذا الثلث الذي جعله فانيا رغم كل ما كان يتمتع به من صفات عظمية بسبب نسبه الألولهي ، الأمر الذي أرق تفكيره بسؤال صعب عن : سر الحياة ولغز الموت .
تروي الملحمة 6 قصص موزعة على 12 لوح ، وهي :
1 – جلجامش والملك “أجا” :
ويمكن اعتبار هذا النص من النصوص التاريخية ؛ فهو يتحدث عن صراعات دويلات المدن السومرية خلال عصر الأسرات الأولى ، فالملك “أجا” حاكم مدينة “كيش” المجاورة بعث برسله إلى “جلجامش” طلبا منه الاستلام أو تحمل نتائج حرب مدمرة لن تكون لصالحه . لكن “جلجامش” يرفض رغم دعوة مجلس الشيوخ للخضوع ، ويلجأ إلى الشباب حيث حماس القتال .
ثم يأتي الملك “أجا” ، ويحاصر “أوروك” ، ويدافع “جلجامش” عن مدينته بحكمة ، لينتهي القتال بعقد صلح دائم بين الطرفين .
2 – جلجامش وأرض الأحياء :
يرى “جلجامش” المنية تختطف الناس من حوله ، فيرحل باحثا عن طريقة يخلد اسمه بها ، فيتجه إلى غابة الأرز مسكن الوحش الرهيب بعد أن وضع الإله “أوتو” الجبابرة تحت تصرفه ، فيقطع بهم الجبال الستة والبحور السبعة ، وعند الجبل السابع يغط في سبات عميق ممايثير خوف “أنكيدو” لفقد “جلجامش” في يوم من الأيام .
وعندما يصلون إلى غابة الأرز ، يقطع الرجال الأشجار حول عرين الوحش الذي يخرج للانقضاض على الدخلاء ، لكنه يقع في قبض “جلجامش” و”أنكيدو” اللذان يقدماه قربانا لﻹله “إنليل” و”ننليل” .
3 – جلجامش وثور السماء :
تعرض الألهة “إنانا” أو “عشتار” الهدايا على “جلجامش” ، ثم تطلب منه الزواج ، فيرفض مما يثير غضبها ، فتصعد إلى السماء ، وتطلب من أبيها “آنو” إله السماء أن يعطيها ثور السماء ؛ لتهلك به “جلجامش” ، فيجيبها بالرفض ، فتتوعده بإحداث انقلاب في السماء يهدد عرشه ، فيرسل الثور ليعيث فسادا في “أوروك” ، لكن “جلجامش” و”أنكيدو” ينجحان في قتله .
4 – جلجامش وشجرة الحلبو :
نمت شجرة الحلبو على ضفة نهر الفرات ، لكن ريح الجنوب العنيفة اقتلعتها ورمتها بعيدا ، فانتشلتها “إنانا”، وزرعتها في حديقتها في “أوروك” لتكبر مع مرور الزمن إلا أن حية عملاقة تجعل من قاعدة الشجرة مسكنا لها ، وطائر “الرو” يبني عشه على قمتها ، و “ليليث” شيطانة القفار تأخذ وسطها بيتا لها ، وبهذا لم تستطع “إنانا” الاقتراب ، فتطلب المساعدة من “جلجامش” ، فيهب لمساعدتها ويحمل سلاحه ويصرع الأفعى ، فيهم الطائر بالهرب ، و”ليليث” تعود إلى حيث الأماكن المجهولة فيقطع جلجامش الشجرة ، ويقدمها ل “إنانا” ، فتصنع كرسي وأريكة ، وآلتين موسيقيتين مكافأة ل “جلجامش” ، هما : البكو و المكو .
5 – جلجامش وأنكيدو والعالم السفلي :
يعد هذا النص استمرارا لنص “إنانا وشجرة الحلبو” ؛ فبعد زمن تسقط آلتي “البكو” و “المكو” في كوة إلى العالم الأسفل ، فيحزن “جلجامش”، ويندب حظه ، فيسمعه “أنكيدو” ويتطوع للهبوط إلى العالم الأسفل لاسترجاعهما .
وقبل أن ينطلق “أنكيدو” في رحلته يزوده “جلجامش” بمجموعة من النصائح والإشادات عن كيفية السلوك في العالم الأسفل ، ممايكفل عودته سالما من هناك ، ومن هذه النصائح : لاتتعطر ، لاتلبس ثيابا جديدة أو نظيفة ، لاتحب أولادتك ، ولاتعانق زوجك ….
لكن “أنكيدو” يتجاهل هذه النصائح ، فتمسك به “صرخة العالم الأسفل” ، وتسلب روحه ، فيحزن “جلجامش” لفقد تابعه ، ثم يمضي طالبا عون الألهة لاسترجاعه ، فيرق قلب الإله “إنكي” الذي يعينه على رؤية شبح “أنكيدو”فقط .
وعندما يجتمع الصديقان ، يسأل “جلجامش” “أنكيدو” عن أحوال الموتى ، وعندما ينتهي تتلاشى روحه عائدة إلى مقرها الأبدي .
6 – موت جلجامش :
يموت “جلجامش” في وقته ، رغم أنه يقاوم الموت رافضا مصير البشر ، فيأتي إليه الإله “إنليل” ويقنعه بقبول نهايته ، فيهبط أخيرا إلى العالم الأسفل مع جميع أفراد حاشيته وبلاطه ، ويقدم قربانا ﻹله العالم الأسفل .
إضافة إلى هذه النصوص نجد نص أسطورة ” الطوفان” التي تروي قصة “أوتنابشتيم” الذي أنقذ الجنس البشري أثناء الطوفان ببناء المركب العظيم “السفينة” التي حمل بها زوجين من الحيوانات وأهله ، فأنقذ بذلك الحياة على الأرض من الدمار الشامل الذي أحدثه الطوفان العظيم ، فأنعمت عليه الألهة بالخلود مع زوجته ، واسكنوه في جزيرة نائية خلف بحار الموت جزاء له .
ويلحق بهذه القصص النص الكامل للملحمة بعنوان “هو الذي رأى”.
وفصل عن المعنى في ملمحمة “جلجامش” وآخر عن أثر الملحمة في الثقافات الأخرى .
ويختم “فراس السواح” حديثه عن الملحمة ، بقوله : لم يقهر “جلجامش” ،وحتى لم يقهر خوفه من الموت ؛ ﻷن الخوف من الموت شرط لحب الحياة ، واستنفاد ممكناتها . لقد قبل الموت ، وبقبوله الموت قد قبل الحياة .
ففي نهاية رحلة “جلجامش” يعطيه “أوتنابشتيم” نبتة سحرية تجدد الشباب ولكنه يقدمها للشيوخ ، مما يدل على انتقاله من الموقف الفردي إلى الاهتمام بمصالح الجميع .
تقع أهمية الكتاب كونه كتابا تاريخيا يمثل مرحلة معينة من تاريخ بلاد الرافدين ، إضافة إلى موضوعه المميز عن الخلود الذي يشغل اهتمام الناس .
Views: 0









