ذهبت برفقة ابنتي “إميلي” في زيارة، للوهلة الأولى كنت متلهّفة لإغراق صاحبة المنزل بالتهاني لأني وجدتُ فيها بطلة شجاعة أنجبت أربعة أطفال بأعمار متقاربة وأكبرهم ما زال صغيراً من وجهة نظري، فالغرفة التي استقبلتنا بها نظيفة لامعة مرتّبة، الأصوات الآتية من الغرف المجاورة لا تتجاوز الهمسات والحياة هادئة هانئة، عزمت على إنزال العبارات المباركة والمحفّزة حتى دخل طفل في السادسة وكان الحوار الآتي “سأنقله باللهجة المحكيّة”:
الأم: شووو ليش اجيت؟
الطفل: ماما بس بدي شغّل الضو الكبير لأن عنا ضيفة.
الأم: انت ما دخلك مو قلت مااااا حداااا يفووووت لهون أبداً؟
الطفل: أي ماما بس كنت بدي شغّ……
الأم: رووووووح وما بقا ترجع أبداً وحسابك بعدين.
وبسرعة البرق تتغيّر قسمات وجهها وتعود مبتسمةً لتكمل حديثها معي الذي للأسف الشديد لم أعد أسمعه فقد شردتُ طويلاً في الحوار الخاطف السابق، رغم أن ظاهره يبدو عادياً للغاية لكنه يعكس وجهات نظر متعددة ومختلفة وكلٌ يراه حسب قربه أو بعده من بطليّ المشهد.. سأقدّم أوجه تلك اللوحة التكعيبية كما أتوقّعها.
الأم: رأتْ تدخلاً سافراً من ابنها الذي اقتحم عليها جلسة صفاء وفضفضة رغم أنها على ما يبدو نبّهت قبل زيارتي عشرات المرات إلى رغبتها بأن تكون وحيييييدة (تلك الأحرف المكررة حسب طريقتها في الكلام فهي تعشق المدود والشدّات كونها تخفف عبء الإعادة والتكرار). إضافة لما سبق قد رأتْ أن دخوله إلى الغرفة فيه كسر لأوامرها وعصيان، ومن المحتمل أنها أشارت لجائزة أو عقاب لمن يلتزم أو يخرق الاتفاق، وها هو أول الواقعين بالفخ قد ظهر.
الطفل: إما أنه أراد أن يربح رهاناً حول ابتكاره خطة ذكية يكسر بها المحظور، أو أنه بريء فعلاً وغايته هي تذكير والدته بتكريم الضيفة بإنارة الضوء المميز.
الطرف الثالث “الضيف”: إما ، أو …
إما أنه أخذ انطباعاً سلبياً عن أمٍ أنانية تُضعف شخصية ابنها وتوبخه أمام الغرباء رغم حُسن نيته ولطفه.
أو أنه كان فرحاً بحزمها فهي لا تسمح بإزعاج الضيوف.
وجهة نظري ورؤيتي لما حصل كانت غريبة بعض الشيء، اعتقد أن الظلم وقع على الأم والأطفال معاً، هناك أمهات لديهن طاقات خارقة وهنّ قادرات بالفعل على توزيع الاهتمام والحب والرعاية على الأطفال بالتساوي لكن هل ستكون مرتاحة سعيدة مشرقة؟! الأمر معقّد جداً.. فمن المستحيل أن تكون للمرأة طاقة ٥٠٠% موزعة على شكل التالي:
١٠٠% لصحتها والاهتمام بنفسها وجمالها وجلساتها الروحانية و تعزيز ثقافتها…
١٠٠% لأولادها والاعتناء بصحتهم النفسية والجسدية…
١٠٠% للزوج ومراعاة شؤونه والانتباه لمظهره وعمله وصحته…
١٠٠% للمنزل و إدارته من تنظيف وطبخ وتنسيق ورعاية…
١٠٠% للأهل والعائلة الكبيرة والأصدقاء والمعارف والجيران والواجبات الاجتماعية…
وبما أني لم أسمع بنسب مئوية مرتفعة إلا منذ أعوام بعيدة وذلك ضمن مقال حول رسوم جمارك السيارات في سوريا لذااااا “أبشركم” أن تلك المعضلة الحسابية مركبّة ومعقدة وعصية الحل، كان الله في عوننا نساءً ورجال.
السؤال المهم هنا: “إميلي” التي لا يشاركها ثلاثة أطفال في طاقتي، هل كانت مهذّبة أم أنني غيرت قسمات وجهي مراراً كما حال صاحبة الدعوة؟؟ في الحقيقة كانت “إميلي” مهذّبة ولطيفة….. هذه المرة!!
ألمى حلواني
Views: 0