الحداثة واقع لابد منه
_إن اللغة الفنية الوثيقة الصلة بمختلف النشاطات الاجتماعية غنية ومتغيرة وخلاقة ، يسعى الفنان من خلالها إلى تخطي ذاته واحتواء العالم المحيط به كي يوحد بينه وبين الآخرين . هكذا كانت انطلاقة الفنان جمعة النزهان منذ طفولته والبداية بالرسم على طريق الحارة الأسود بالحجر الأبيض ، لوحات وأشكال ذكية تعبر عن الطفولة البسيطة بعفوية صرفة تصور الأحلام والأماني ، وتعكس حالات الفرح الطفولي وخيباته…كبرت أمانيه الفنية ولابد من صقلها ، فاتجه الفنان جمعة إلى مركز الفنون الجميلة بدير الزور مركز ( اسماعيل حسني) مع مجموعة من الشباب المميزين الذين جمعهم حب الفن والثقافة والمنافسة الشريفة ، ومن خلال هذا المركز وما تعلمه سهل له الطريق إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق ( ويدين فضلا وعرفانا للفنان الكبير جمال شطيحي..) . هناك بدأت تكتمل موهبته المتميزة أكاديمياً ثقافياً وفنياً ومهارياً من خلال دراسته الفن بشكل علمي وعملي ممنهج ، استطاع من خلالها وبمقدرة فائقة السيطرة على أدواته الفنية في عملية الخلق والابتكار الفني ، فكان من المتفوقين في جميع سنوات الدراسة وكان من الخمسة الأوائل في الكلية ، ونال علامة ممتاز في مشروع التخرج الذي صور فيها المرأة الفراتية في كافة حالاتها وجمالياتها بفستانها الطويل الملون المزخرف ، والمفردات الشعبية التي تحيط بها ، وعينيها الحزينتين ، ووجها القاسي الحنون ، وملامحها المتعبة ، وتخبئ الفرح في قلبها لأولادها وبيتها ، تنسج من التعب والشقاء عباءات الفرح والسعادة لهم ، لا تعرف الكلل والملل..، هكذا صورها فناننا المبدع بريشة امتزج فيها البراعة والاحساس المتدفق بالوان تعشقها البيئة الفراتية يتحد فيها وهج الشمس وقسوة الجو مع عذوبة الفرات وطراوة ضفافهاالتي تعانق أشجار الغرب والصفصاف…..
عاش حالة عشق مع الفرشاة وهي تنقل اللون الذي يُعد أكثر مظاهر التصوير أهمية وتأثيراً وهو جوهر التصوير ومصدر الثراء في اعظم الأعمال الفنية . استطاع ان يحرك بها الشكل والتكوين والايقاع وغيرها من مكونات العمل الفني إلى تعبير فني متكاسك ومتناسق مسبغاً عليها الكثير من الاحاسبس والمشاعر الداخلية والانفعالات التي تفجر العاطفة والحب والتفكير والوجدان ، حتى يداه أحياناً تنقل اللون وتداعياته بكثير من الحنان والحرفية ، وأحياناً بنوع من العفوية الخالية من الصيغ الفنية المعقدة ، ليجعل من المفردات البسيطة ذات تأثير قوي ومعبر ، يكتمل فيها الجمال والفكرة ، معتمداً على ذاكرته وخياله المتدفق ومخزونه الثقافي والمعرفي…

الفنان جمعة النزهان ابن بيئته ، تعامل معها بأصالة ، فكان وفياً ومخلصاً لها ، تعامل معها بصدق وشفافية وحالة عشق ، يتحسس فيها مواقع الجمال التي ادركها بموهبته الجميلة وما يخزنه عقله الباطن من صور واشكال وألوان وحكايا امتزجت بذاته المبدعة ليصوغ منها بريشته أفكار وتعابير تجمع بين الأصالة والمعاصرة صهرها ببراعة أشكال جديدة تعبر عن بيىة الفرات وحضاراته التي توالت على ضفافه من ماري ودورا اروبس ( الصالحية ) الى حلبية وزلبية …..، اندمج جمال هذه البيئة بحواسه وأصبحت هاجساً وملهاً له …لقد اعطى المراة الفراتية جل اهتمامه التي تشكل احدى مفردات هذه البيئة وصانعة الفرح والرجال. حيث ريم أكثر من خمسين لوحة عن المرأة الفراتية الأم والاخت والزوجة..، وعن ديرنا الأم بكل خصوصيتها…كان في بداياته يرسم بواقعية مفرطة ، لكن مع نضوج تجربته الفنية وقدرته العالية في خلق آفاق جديدة تحول الى التجريد والتجريد التعبيري مواكباً لمسيرة الحداثة بحذر مدروس ، وتقنيات تعتمد على الأصالة والتجذر جعل منها نقطة الانطلاق ، تعبيراً عن الوفاء والاخلاص لهذه البيئة الغنية بالسحر والجمال والتراث الانساني. مدركاً للتبادلات في الرؤية والتقنية والأسلوب . يقول الفنان النزهان : ( اليوم أنا اشتغل على الحداثة في عملي الفني وأستمتع بها وهي غزت حياتنا فنجدها في كل ما يحيط بنا وبأسلوب حياتنا وفي الصناعة والأدب والشعر…..وجميع مجالات الحياة والفنون ، وهي ليست سهلة بل هي أصعب من الواقعية لها جمهورها ومتذوقيها ، رغم أن عموم الناس لايتقبلها ولكن واقع لابد منه ، ولان حياتنا قد تغيرت وتتغير كل يوم وهذا ينطبق على الفن …)


إن ما تحقق في مجالي التقنية والعلم والتحولات الهامة في البنى والعلاقات الاجتماعية تكوّن على الصعيد الفني قاموس مفردات تسكيلية جديدة وتكوين ثقافة ومفاهيم جديدة . هذا ما يؤكد عليه الفنان جمعة النزهان في معظم أعماله التي تحرك المشاعر وتدخل القلب وتحاكي الوجدان وتتمرد على الواقع القاسي والهروب عبر الريشة إلى فضاءات الخيال والدهشة وتعبر ما بداخلنا من أحلام وأمنيات تعيد للانسانية بريقها واحترامها ، بعد أن زادت مساحة الغابات المتوحشة التي تطارد الحب والخير والأمان دون هوادة . ليكون الفن الجميل والراقي رسولاً يلهم الضمائر صحوتهم.
_ الفنان جمعة النزهان -دير الزور ١٩٦٧
– اجازة في الفنون الجميلة / جامعة دمشق ١٩٩٥/ قسم التصوير
– دبلوم الدراسات العليا /تصوير ١٩٩٦
– عضو اتحاد الفنانين العرب/سورية
-رئيس دائرة المسرح المدرسي والمناشط في تربية ديرالزور ٢٠١٠- مدرس مادة الرسم والتصوير في معهد العمل اليدوي بدمشق حالياً .
– شارك في الكثير من المعارض الفردية والجماعبة منها:
– معىص فردي في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق ١٩٩٧
– معرض متجول في صالات بلاد الشام غاليري قزح ( ١٩٩٨- ٢٠٠٠)
– معرض مشترك بيروت ٢٠٠٠
– معرض الربيع /سوريا ٢٠٠٨
– معرض فناني دير الزور صالة الشعب بدمشق ٢٠١٠
– جائزة تقديرية من معهد ثربانتس مسابقة فكر بيدك ٢٠٠٠
– معرض فردي في صالة ألف نون بعنوان ( بيوت تسكننا ولا نسكنها ) ٢٠١٧
– معرص مشترك ( قصص لم تروا بعد) مع مجموعة من فناني سورية ٢٠١٨
– ملتقى التصوير الزيتي السادس ( سوريا جسر المحبة ) المتحف الوطني بدمشق ٢٠١٨
– ملتقى غازي الخالدي للتصوير / وزارة الثقافة السورية ٢٠٢٠
– ملتقى ( الفن ينبض) فندق جوليا دومنا بدمشق ٢٠٢٠
– ملتقى الفن التشكيلي/باريوتا 3 مع مجموعة من فناني سوريا بعنوان ( بالفن نوجد واقع أجمل ) في صالة السيد الفنون التشكيلية بدمشق ٢٠٢٢
خليل عبد اللطيف البدراني
Views: 3









