كتبت عفاف الأفندي :
في قلب دمشق القديمة؛ حيث تتعانق أصوات المآذن وأجراس الكنائس في تناغم اعتاده السوريون عبر القرون، دوّى انفجار عنيف داخل كنيسة مار إلياس حمل أرواحًا علقت بين السماء والمدينة؛ لم يكن مجرد تفجيراً اعتيادي، بل كان صفعة على وجه مدينة لم تندمل جراحها بعد. هذا الحدث المروّع أطلق موجة من الحزن والقلق، وربما أيضًا أسئلة مؤجلة عن أمن العاصمة وتماسك نسيجها الاجتماعي، ومسؤولية من يملكون مفاتيح الحماية فيها.
في الثاني والعشرون من حزيران الساعة السابعة والنصف مساءً لحظة الارتطام بين الصلاة والموت خلال قداس حضره العشرات من المصلّين في كنيسة مار إلياس في دويلعة؛ أسفر عن عشرات القتلى والجرحى وسط صراخ اخترق صمت الشارع الدمشقي النابض بالحياة.
كنيسة مار إلياس؛ يعود بناؤها إلى مطلع القرن العشرين ليست مجرد صرح ديني، بل رمزٌ للعيش المشترك في قلب العاصمة ونموذجًا مصغّرًا عن التنوّع السوري، ما أثار قلقًا مضاعفًا في أوساط دينية وثقافية أعربت عن خشيتها من محاولات لزعزعة التوازن والتعايش في البنية المجتمعية السورية، وأشاد ناشطون أنه استهداف للتعايش لا البناء.
لكن رغم الحزن المخيّم، سجّلت كاميرات الصحفيين مشاهد مؤثّرة لأهالٍ من مختلف الطوائف يتبرعون بالدم ويقدّمون الدعم للمصابين في صورة رمزية تُعيد التأكيد على أن التعايش السوري أعمق من أن يُفجّر بعبوة، ففي قلوب السوريين رجاء لا يُقصف.
وسط تساؤلات عديدة أفادت السلطات السورية أن المهاجم ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وأفادت مصادر أمنية أن شهودًا أبلغوا عن رؤية مهاجمين آخرين قرب موقع التفجير. كما ذكرت وزارة الداخلية السورية في بيان أصدرته مساء الإثنين أن السلطات ألقت القبض على عدد من الأشخاص يُشتبه بانتمائهم إلى خلايا إرهابية على صلة بالتنظيم.
وفي تصريحات أدلى بها وزير الداخلية السوري “أنس خطاب” يوم الأحد الماضي قال: “لن تثني هذه الهجمات الإرهابية الدولة السورية عن مساعيها لتحقيق السلام الأهلي.”
إذ أشارت تصريحات حديثة لصحيفة السويسرية “نويه تسورخير تسايتونغ” أن الهجوم الذي استهدف كنيسة مار إلياس في العاصمة السورية دمشق يوم الأحد الماضي يُمثّل تحديًا خطيرًا لجهود الحكومة السورية الانتقالية، ويسلّط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في البلاد.
ولتسليط الضوء على تداعيات هذا التفجير على الشعب السوري أجرينا مقابلة قصيرة مع السيدة ناديا، إحدى الناجيات من التفجير: وبسؤالها كيف تصفين اللحظة التي وقع فيها الانفجار؟
أشارت قائلة: “كنت أردد الترانيم، وفجأة شعرت أن الأرض اهتزت رأيت دماءً وأشلاءً، وصرخات لا تُنسى.”
ما الذي شعرتِ به بعد نجاتك؟ صرحت عن شعورها مع ابتسامة حزينة “شعرت أنني وُلدت من جديد، لكن قلبي مكسور على من رحلوا؛ الكنيسة كانت بيتنا جميعًا.”
وعند سؤال الشاب مهند، من سكان حي الدويلعة كيف أثّر هذا التفجير على شعورك بالأمان؟ عبر قائلاً: ” كأننا عدنا إلى سنوات الرعب، لكن التكاتف بين الناس أعاد لي الأمل.”
هل ترى أن هناك من يحاول العبث بالتعايش؟
أكد بقوله: “من فجّر الكنيسة لا يريد فقط قتل الأبرياء، بل يريد زرع الشك بيننا لكننا أقوى من ذلك.”
فيما صرح بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر معلقاً على التفجير بقوله: “إن الهجوم الإرهابي الذي استهدف الكنيسة أظهر مجدداً هشاشة الأوضاع في هذا البلد.”
تفجير كنيسة مار إلياس لم يكن مجرد اعتداء على جدارن حجرية، بل كتذكير مؤلم بأن طريق التعافي لا يزال محفوفاً بالمخاطر، لكنه محاولة فاشلة فمن أراد أن يزرع الرعب أيقظ في الناس التماسك؛ ومن سعى لتفريقهم جعلهم يتعانقون في المآتم كما في الأعياد. لكنه طرح تساؤلات حقيقة حول الرسائل السياسية وراء هذا التفجير ومن الجهة المستفيدة من ضرب الاستقرار والتعايش في وقت ينتظر فيه السوريون انفراجاً بعد سنوات الحرب، فدمشق التي نجت من الحروب مازالت تصلي لا لتنسى جراحها، بل لتتذكّر أن النور لا ينهزم، ومازال السوري رغم كل الجراح؛ يقف، يصلي، ويبني من الركام ضوءاً جديداً.
Views: 13