نفحات القلم -جنان وكيل
يجسد الفيلم الهندي “ساني/ Sunny” الصادر أواخر سبتمبر/أيلول 2021، مآسي فترة الإغلاق التي تسبب بها وباء كوفيد-19 في قالب درامي نفسي.
وتدور أحداث العمل حول ساني، الموسيقي الهندي الذي يفشل في تحقيق ذاته في مجال الموسيقى في إمارة دبي، ليقرر العودة إلى مسقط رأسه في ولاية كيرلا الهندية، وسط انتشار وباء كوفيد-19.
ويتوجب على ساني الخضوع لفترة الحجر الصحي مدة أسبوعين كإجراءات روتينية وقائية للحد من انتشار الفيروس، في ظل التشديد على المطارات والتأكد من أن المسافرين العائدين لا يحملون الوباء ويخضعون للإجراءات اللازمة.
وبسرد فردي يعمد المخرج تصوير آثار العزلة والاكتئاب المرافق لفترة الحجر الصحي والتركيز على تفاصيل عايشها معظم الناس حول العالم، بصرف النظر عن الحالات والظروف المختلفة.
ويتشارك الجميع الهم ذاته والعزلة ذاتها والآلام الجسدية المتماثلة؛ ومنها فقدان حاستي الشم والتذوق والإرهاق الجسدي وارتفاع الحرارة، ليتحول الوباء إلى رابطة عالمية لا تفرق بين المجتمعات والدول والأثرياء والفقراء والصغار والكبار.
وبتسليط المخرج الضوء على عزلة إغلاق لحالة فردية، لا بد أن يلامس الموضوع الجميع فالمعاناة تمس جميع شعوب الأرض.
ويبدأ العمل بهبوط ساني في مطار كوتشين الدولي في ولاية كيرلا، متجها إلى الفندق لقضاء فترة الحجر الصحي، لكن تبدر من ساني تصرفات تدعو للاستغراب والقلق، لتدل على قلة إدراك وضعف اتزان.
وتطرح المقدمة تساؤلات عدة منذ المَشاهد الأولى لتبدو ملامح نفاذ الصبر جلية على وجه ساني عندما حرق جواز سفره وقام برميه من النافذة دون تبرير منطقي ما خلق حالة من الاستغراب لدى سائق الأجرة.
وينقلنا المخرج إلى الجناح الفاخر الذي يقيم به ساني أثناء فترة الحجر الصحي، وسرعان ما نشهد التخبطات والصراعات التي يعيشها من خلال إغراق نفسه في الكحول.
ويعمد المخرج إلى إقحام المُشاهد تدريجيا في حياة ساني الخاصة ليكشف عن انهيار علاقته الزوجية بعد حب دام لأكثر من 10 أعوام، والنزاع حول منزل الزوجية وحضانة الجنين الذي لم يولد بعد.
ويظهر من خلال العمل غموض مريب حول وضع ساني المادي، ويدعم ذلك استغراب صديقه من إقامته في فندق فاخر بسبب معلوماته السابقة عن الضائقة المالية التي يمر بها والديون المتراكمة على عاتقه.
وتتصاعد الأحداث مع تضخم أزمة ساني النفسية، بسبب العزلة، ليصل إلى أفكار مضطربة وميول انتحارية، فيحمل العمل في المحصلة رسائل توعوية حول أخذ الصحة العقلية على محمل الجد وعدم الاستهتار بها.
وجاءت حركة الكاميرا بطيئة متناسبة مع الشعور الوهمي بالزمن ليشعر المشاهد أن فترة الإغلاق دامت لشهور عدة وليس مجرد 14 يوم.
وكانت الإضاءة فاترة زرقاء تميل للظلمة في بعض الأحيان لتعكس أجواء الاكتئاب والعزلة والمعاناة.
وتناغمت الموسيقى مع فكرة العمل لتتداخل أصوات البيانو مع الكمان بمقطوعات هادئة تبث شعور الحزن والزمن الطويل والقلق.
ويؤكد مركز الدراسات البريطاني “معهد كينجز كوليدج” في دراسة نشرت بالمجلة الصحية “دو لنسي”، أن الحجر الصحي تجربة غير حميدة بالنسبة لمن يخضعون لها، والعزل عن العائلة والأصدقاء، وفقدان الحرية، والارتياب من تطورات المرض، والملل، والفراغ، والأفكار العشوائية؛ جميعها عوامل من شأنها أن تتسبب في حالات مأساوية، وهذا ما تناوله الفيلم.
والعمل من إخراج وسيناريو رانجيث سانكار، وشارك في بطولته جياسوريا، وشريثا سيفاداس، ومامتا موهنداس.
Views: 0