د. آسيا يوسف
·
القراءة التحليلية للدكتورة آسيا يوسف لقصيدتي
(رسائل لايمحوها الزمن ) آمنة المياح
الرسالة الأولى
لانّك العيدُ تأتي في سماواتي
أهلةً وانسكاباتٍ بأنّاتي
لذا انتظاري لطيفِ القربِ يشغلُني
كطفلةٍ ثوبُ وجهِ الصبحِ بسماتي
وكركراتُ ندى الأحلامِ مابرحتْ
تلحُّ في سابقِ الساعاتِ والآتي
ونشوةٌ بمذاقِ البنِ ترشفُني
حينَ اقترابِك في أحضانِ لحظاتي
ياماسكَ السعدَ في ضيِّ الشموسِ سناً
ومجزلَ الحبَّ في كلِّ النهاياتِ
فلا خيالُ الجفا يدنو فيبعدُني
ولاهجيرُ رحيلٍ في اللقاءاتِ
أنتَ المعتّقُ حرفٌ آسرٌ لغتي
ياكلَّ بوحٍ تهادى في حكاياتي
فديتُ عينيكَ وهي السرُّ في مدني
بها تُقامُ شموسٌ للحضاراتِ
أراكَ فيَّ لكلِّ الحالمين مدى
وحينَ تسكبُني آمالُ كاساتي
قنديلُ وصلٍ شموعُ الحلمِ أوقدُها
ليقتفيها دليلاً ليلُ غاباتي
توحّدتْ في سماء العشق صاغرةً
روحي بروحك يامرآة للذات
قصيدة الأستاذة الشاعرة القديرة آمنة المياح
و أبدأ من العتبة الأولى وهي عنوان القصيدة رسائل لا يمحوها الزمن كعنوان رئيس
و قد أدت الجملة الاسمية بصيغة الأخبار دورها إذا تقدم المفعول به (رسائل) ليتصدر الجملة بنية الإخبار
لا يمحوها..والتقديم يدل على الأهمية والتشويق… . وقد سبقت الفعل المضارع الدال على الاستمرارية و الصيرورة لتنفي حدوثه قبل الوقوع و تبعتها بالزمن الفاعل باستعارة مكنية لتبين قدرة الزمن على الفعل و عدم استطاعته محو الرسائل التي تعينها الشّاعرة… هذا من حيث بنية العنوان الفنية أما البلاغية فقد دلَّ العنوان دلالية ايحائية إن الرسائل مكتوبة بخط اليد والزمن عاجز عن محوها
البنية الفكريّة في رسائل لا يمحوها الزمن :
لأنَّك العيدُ تأتي في سماواتي
أهلةً و انسكاباتٍ بأناتي
تبدأ الشاعرة بتوجيه الخطاب لمذكر بقوله لأنك و قد سبقت لام الابتداء المؤكدة إن التوكيدية حاملة معنى التعليل… لأنك العيد… تقديم جميل للحرف المشبه بالفعل على العيد لأن المبدعة تريد الإسراع بإيضاح الحقيقة
فهو العيد الذي يأتي في سماواتي وقد جمعت السماء على سماوات عملاً بقوله تعالى : (وبنينا فوقكم سبعاً شدداً)، أهلةً
ليس هلال واحد واحد بل مجموعة و كأنّ الرؤية اختلطت عليها لشدة اشتياقها ، و
ما يؤكد هذا استرسالها و انسكاباتٍ بأنّاتي
و كأنها تسكب الدمع مصحوبةً بالأنات مما يدل على حزن و ألم الفراق.
أما العنوان الفرعي فقد حملته الشاعرة آمنة المياح دلالة المتصدر فهي أولى رسائلها و بذا أعطت إيحاء عن مضمون القصيدة
و يأتي البيت الثاني ليفسرَ أسباب حزنها فتقول:
لذا انتظاري لطيفِ القربِ يشغلني
كطفلةٍ ثوب وجه الصبح بسماتي
فالشاعرة دائمة الانتظار لخيال أو طيف من تحبّ فهي دائمة الانشغال به و كأنها طفلة صغيرة تزيح عن وجهها الصبوّح عباءة ليل انتظارها الطويل بما شبههته بثوب الصبح في تشبيه بليغ مقلوب فهي ترى في حضور طيف من تحب وجه الصبح الذي يجعلها تسر و تبتسم
و كركراتُ ندى الأحلام ما برحت
تلحُّ في سابقِ الساعاتِ و الآتي
و جمع كركرة كركرات و تدل على كثرة الضحكات التي مثلت لدونة و طراوة أحلامها التي مابرحت مستمرة تصرُّ و تلحُّ في كلّ الأوقات السابقة و اللاحقة… و جماليّة الصورة هنا في تراسل الحواس ما بين مسموعٍ الكركرة و المرئي ندى و المحسوس الأحلام
و منحت الوقت الساعات سمة الإنسان الذي يسبق و يأتي في استعارة مكنية أو تشخيص واضح.
و نشوةٌ بمذاق البن ترشفني
حينَ اقترابك في أحضان لحظاتي
ما أجمل ما باحت به فرؤية طيف المحبوب يشبه النشوة المتأتية من رشفة القهوة بصورة معكوسة فهنا المبدعة هي من ارتشف و ليس القهوة وتكون سعادتها في أوجها عندما يقترب طيف من تحبّ و لو لحظاتٍ قليلة تحتضن طيف المحبوب و هي أسمى درجات الحبّ أن ينتشي الإحساس بحضور الطيف ولو لحظات في تشخيص للحظات التي تحتضن كإنسان في استعارةٍ مكنية
يا ماسك السعدِ في ضيّ الشموس سناً
ومجزل الحبّ في في كلِّ النهاياتِ
و يبدو الأسلوب الانشائي الذي حملته لأسلوب النداء المضاف بعبارة يا ماسك السعد و كأنها تؤكد إن من تحبّ قد أسعد أيامها في جعلها ماسك اسم فاعل فقد كان قادراً على الفعل في جلب السعادة و إضاءة أيامها بالشموس وليست شمساً واحدة مما يدل على سمو و زيادة كمية الدفء و السمو لتلك السعادة… و مجزل الحبّ… كذلك جعلت اسم الفاعل مما فوق الثلاثي يمنحها الحبَّ بسخاءٍ فهو يجزل من جزالة العطاء في كلّ الأمور و خاصّةً خواتيمها
فلا خيالُ الجفا يدنو فيبعدني
ولاهجيرُ رحيلٍ في اللقاءات
تستئناف المبدعة بفاء الاستئناف وتابعت بلا النافية للجنس المكررة المهملة كعملٍ النافية للمعنى لا خيال ولا هجير
لا خيال الجفا يدنو فيبعدني
فالشاعرة توضح و تعلل أسباب تعلقها بطيف من تحبّ لا ظل للجفاء بينها وبين من تحب يقترب فهي وفية باقية على العهد و لا يأتي وقتٌ قائظٌ للرحيل يضطرها للفراق… فهي واثقة بمن تحب و بقوة مشاعرها
أنتَ المعتق حرفٌ آسرٌ لغتي
يا كلَّ بوحٍ تهادى في حكايات
و تعترف الشاعرة أن من تحبّ سبباً في تعتيق حروفها و لغتها و اتساقها فلولاه ما كتبت فله ومن أجله كل ما تبوح به.
فديتُ عينيكَ وهي السرُّ في مدني
بها تقام شموساً للحضارات
و تعترف إنّها تتمنى افتداء عيني من تحبّ فتلك العيون هي السرّ الذي أثرى كل ما بنت من مدن و حضارة و نجاح في حياتها فعيناه هما سبب دفء الشموس و ضياءهما من بنى الحضارات كلّها
مما يدل على تحضره و احترامه لها و لنجاحها في مواكبة الحضارة و التطور
آراك فيّ لكلّ الحالمين مدى
وحينَ تسكبني آمالُ كاساتي
ولايزال طيف المحبوب يسكن الشاعرة فهو يسكنها و يمثل آمال كل الحالمين بالحبّ و السعادة و ما أروع الصورة الشعرية في قولها
(حين تسكبني آمال كاساتي)
فالاستعارة المكنية جعلت الشاعرة تُسكب و الآمال في مقابلة /صورة بصورة /كذلك فاعلة كإنسان يسكب… و الشاعرة مطواعة تنسكب بسلاسة في كاسات الأمل الذي لا يبرحها
قنديل وصلٍ شموعُ الحلم أوقدها
ليقتفيها دليلاً ليلُ غاباتي
وتشبه المحبوب بالقنديل مصباح الزيت الذي لا يشح فهو مستمر (وصلٍ) و من ضيائه مازالت تستمد النور لشموع أحلامها و تمثل الدليل و البوصلة و السمت لايصالها و توجيهها في ليل و غابات الحياة المظلمة الظالمة.
والاستعارة تصريحية إذ صرحت بالدليل و حذفت المشبه الإنسان
توحّدت في سماء العشق صاغرةً
روحي بروحك يا مرآة للذات
فالشاعرة تتماهى و الحالة الشعور فتصل إلى درجة التوحّد بالمحبوب و تقدم نفسها على مذبح الحبّ صاغرة في كناية واضحة عن الخضوع و الامتثال لأمر الحبّ و التوحد هنا روحها بروح الحب الذي ما هو إلا انعكاس لذاتها في مرايا الحبّ و الإبداع
البنية الفنيّة :
تأتي المحسنات البديعيّة كأهم عوامل البنية الفنيّة للقصيدة
ففي البيت الأول لدينا تصريع بين الضرب والعروض
سماواتي _أناتي
و طباق ايجاب بين الصبح وليل.
والاشتقاق الداخلي الشموس.. سناً’الساعات _ لحظات’ الحالمين_ الحلم
و التضاد رحيل _ لقاءات
و الطباق الإيجابي
خيال و طيف.
أما عن التكرار فقد كررت شموس و كل و خيال وروح
وجناس ناقص بين شموس و شموع.
و تناغم بين حروف الجهر و الهمس مثل شموس و قنديل والعشق و صاغرة و كثير غيرها.
التجربة الشعورية :
العاطفة نوعها إنسانيّة ذاتية.
المشاعر : حزن وآسى في البيت الأول دليلها اللفظ أناتي.
سعادة آنية العيد _ بسماتي _ كركرات
حبّ ووفاء في كافة أبيات القصيدة.
سماتها : حارة _ صادقة _منفعلة.
الخط البياني العاطفي:
متصاعد بدأ بالتذكر و الحزن و تصاعد شاقولياً ليدلّ على دفقةٍ شعوريةٍ تصدر عن إحساسٍ معتقٍ بالجمال
الموسيقى الخارجية للنصّ:
استخدمت المبدعة البحر البسيط و جوازته
إنّ البسيطَ لدّيه يُبسطُ الأملُ
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
و قافية مطلقة متحركة بالكسر من قبل آخر متحرك لآخر ساكن
وروي الياء المكسورة الدّالة على الحزن و الشجن رغم الفرح الآني في بعض لمحات القصيدة.
أرجو إني وفيت القصيدة جزءً يسيراً من حقّها
مع جزيل الشكر والتقدير
للأستاذة الشاعرة آمنة المياح
و الاعلاميّة منيرة أحمد
Views: 0