قبل أعوام قليلة كنت قد قرأت احد الروايات الشهيرة للكاتب الفرنسي غيوم ميسو عنوانها (( لأني أحبك )) وكنت وكعادتي كثيرة الغوص في بحور ما أقرأ حتى أكاد أصبح جزءاً من أبطالها دونما أشعر , ولطالما كنت أخاف رغم أن ما يحدث في النهاية محض خيال لكاتب محترف بأن تختبرني الحياة وتحول ماأخشاه إلى واقع في غفلة من العمر ..
وكان أكثر ما يرهب مخيلتي هو فكرة الفُقد .. مجرد تخيلها يخفق القلب هلعاً فكنت أُحدِّث نفسي كيف للمرء أن يتحمل ثقل الحزن الذي يخلِّفه فراق الأحبة .
استحالة … لايمكن لإنسان أن يبقى سوياً بعد ذلك ولا بد من أن دمارا وكوارث ستحل على روحه..
تساؤلات كثيرة دارت حينها وأنا أتصفح رواية حاول فيها الكاتب محاولة جادة لإقناع الانسان بأن لديه القدرة الكامنة التي يستطيع بفضلها أن يتجاوز أبشع المآسي وأكبر الخسائر في حياته،
وأن بمقدوره تحمل هذه الخسارات والمآسي على عظمتها وعمق تأثيرها، ولديه القدرة على إكمال حياته بعدها، لأن قطار الحياة لا يمكن أن يتوقف عند محطة بعينها.
حيث يفقد الأبطال فيها أغلى وأعز ما يملكون في هذه الحياة .. وتجلت فيها أيضا العدالة الغائبة في هذا العالم، وكيف يفقد الفقراء أهم حقوقهم بسبب العوز وقلة المال، رواية انسانية بعمق ترتقي فيها المشاعر لطبقاتها العليا
وتستحوذك وتأخذك برحلة في طرق وعرة بحثا عن الأحبة المفقودين وتتأرجح بين مد وجزر من الأمل في عالم اللاوعي برحلة تنويم مغناطيسي تنتهي بك إلى نهاية صادمة وهي عودة الأبطال الثلاثة الى الحياة، لكن عودتهم الى الحياة الطبيعية، بعد أن اقتنعوا بأن أحبابهم الذين فقدوهم لا يمكن أن يعودوا، أما الحياة فيمكن أن تستمر على الرغم من هذه الخسارات القاسية.
ماحدث وقتها أن مشاعري التي استحوذت تلك الرواية عليها رفضت أن تصحو معهم إلى أرض الواقع وتتقبل أن كل ما قرأت كان رحلة نفسية قام بها طبيب نفسي كنوع من أنواع العلاج وأن لا شيء يتغير وتستمر الحياة ..
تستمر الحياة ؟؟
أحقا تستمر!!!! … وبتلك البساطة ؟؟ فوجدت نفسي أرمي الكتاب جانبا وأجهش بالبكاء كالأطفال بردة فعل لم أستطع السيطرة عليها في لحظتها .. وكانت أمي بجانبي وبعض من إخوتي وإبني .. لم يعرف أحد لماذا بكيت بحرقة يومها .. و انتابهم فضول فقط لتصفح ما كان بين يدي ..الجميع مندهش . ماذا أصابك نور؟ أمي مسحت على رأسي وأخبرتني كلمتين (كفي عن كونك عاطفية ) إنها الحياة تحتاج لقوة .. توقفي فورا فالخوف عدونا الأكبر ..
عانقتها بشدة وتمنيت في سريرتي أن لا يريني الله مكروها فيها .. فهي أعز ما أملك .. وهي القوة
كانت تساعدني على إجهاض الضعف من قلبي بعد كل مخاض مؤلم يتعرض له , وتولِّد في داخلي الحياة دوما ..و أدركت لاحقا ومن خلالها أن المرء يعتاد على الألم حتى يصبح جزءا منه ويتغلب عليه بالصلابة والتحمل والصبر ..
مرت السنوات وحدث ما لم يكن في الحسبان .. وفقدتُّ أمي … وضعتني الحياة في أقسى الاختبارات وفي أكثر موضع كنت أخشاه فعلا وأهرب منه , وعرفت مجددا أن أقدرانا حقا نحن من نصنعها فلا نكف عن العبث بالمخاوف حتى تواجهنا بشراسة وتقتلنا في أغلى ما نملك ..
صدقتِ يا أمي .. إنه الخوف فعلا
أين لي الآن بمن يمسح على وجعي ويخبرني أن أتوقف وأتماسك , رواية تحولت مع الأيام لواقع و ها أنا الآن أبكيكي بحرقة , لكن ليس ضعفا, إنما حبا وشوقا لعينيك الغائبة .. أما عن القوة ستبقى متقدة في كلماتك الحاضرة , هي الإرث الأعظم والأمانة التي سأحرص على التشبث بها .. هي الآن كل ما أملك منكِ..
لم يعد هناك ما يخيفني , رحيلك أخذ معه كل شيء.
……………………
طبيبتي التي عالجَت كل الجروح .. تركتي بغيابك الجرح الاعمق والأكبر
لكني سأكون قوية لأجلكِ .. لسلام روحكِ..
ولأني أُُحبُّكِ .
Views: 13
Discussion about this post