تبدو المرأة الفلسطينية، وكأنها تخوض حرباً على جبهتين، فهي جزء من واقع المرأة العربية المكبل في كثير من الأحيان بالعادات الاجتماعية التي تظهر المرأة كعضو ناقص في المجتمع لا يوازي الرجل في القدرات والإمكانيات، ولا يحق لها أن تساويه في الحقوق والامتيازات، وهي على الجبهة المقابلة تحضر في ميدان النضال ضد مستعمر، ومحتل لم يترك وسيلة ولا حيلة إلا واستخدمها لاجتثاث الفلسطينيين من أرضهم ، وإبعادهم عن ديارهم ، والتنكيل بهم ليل نهار، وسط صمود أسطوري ، وثبات مبهر للعالم أجمع، لشعب لا يكاد يشبهه شعب آخر في الصمود والتحدي الذي لم تغب عنه المرأة الفلسطينية أبدا.
من النساء الفلسطينيات الرائدات يبرز اسم زليخة الشهابي التي أسست أول اتحاد نسائي فلسطيني، والذي عقد أول اجتماعاته عام ١٩٢٩ ، وحضرته٣٠٠ ممثلة من مختلف مناطق فلسطين ، وصدرت عنه قرارات من ضمنها مراسلة القوى الدولية تطالب فيها بوضع حد للهجرة الصهيونية ، والظلم الذي يلحق بالمواطنين من بطش الانتداب البريطاني، وتنظيم العديد من الفعاليات والمظاهرات الاحتجاجية ضد المندوب السامي البريطاني للمطالبة بإلغاء “وعد بلفور” وتسيير مسيرة من 80 سيارة طافت على جميع مراكز القنصليات الأوروبية.
تبرز في القائمة كذلك الشهيدة دلال المغربي التي سطرت أروع الملاحم حينما أعلنت أول جمهورية مستقلة على أرض فلسطين المحتلة لمدة ثلاث ساعات، وشادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية بعد النكسة، وليلى خالد التي خطفت أول طائرة وخاطبت “موشيه ديان” قائلة له “هذه أرضي” .
بالإضافة إلى ريم صالح الرياشي التي فجرت نفسها في تجمع لضباط الاحتلال، وخالدة جرار القيادية المعروفة في الجبهة الشعبية والتي تعتبر أشهر الأسيرات بحكم أنها لا تغادر زنزانتها الانفرادية في أي صفقة تبادل للأسرى، حتى يعيدها الاحتلال إلى الأسر من جديد.
ميادين أخرى متعددة برعت فيها المرأة الفلسطينية، فهي الطبيبة التي تداوي الجرحى والمصابين من المقاومين الذي رهنوا حياتهم في سبيل قضية وطنهم، غير آبهة بمضايقات الاحتلال وممارساته الشنيعة التي تفرض عقوبات صارمة على هكذا أعمال، والصحفية التي نزلت إلى الشارع لتوثيق جرائم المستعمر دون رهبة أو تردد في صورة توضح عن استعدادها لتقديم روحها رخيصة في سبيل عزة وطنها وتحرر شعبها.
لا تتوقف المسيرة هنا فلطالما اضطرت المرأة الفلسطينية التي أجبرتها الظروف أن تكون ثائرة بطبعها، أن تلعب دور الأب والأم، فكثير أولئك الرجال الذين رهنوا حياتهم لمقاومة الاحتلال، والسير في طريق التحرر الوطني مما أضاف عبئا آخر على المرأة الفلسطينية في بناء أسرتها بجهد فردي ، وقد نجحت في هذا المجال نجاحا مبهرا، في إعداد جيل فلسطيني ثابت على مواقف آبائه وأجداده لا يساوم في استعادة أرضه المسلوبة، وحقه المغتصب الذي لا يسقط بالتقادم وفق قناعته.
عبر عقود طويلة أثبت الشعب الفلسطيني صمودا أسطوريا، وثباتا استثنائيا، كانت المرأة الفلسطينية حاضرة في وسطه نجمة ساطعة، وكوكبا منيرا شاركت الرجل في ساحة النضال الوطني على طريق التحرير الذي تؤمن بأنه قادم لا محالة، تمثل قصة ملهمة ومثالا يحتذى في إقدام المرأة وشجاعتها التي لا تقل عن شجاعة الرجل أبدا، وتكشف عن إمكانيات استثنائية، وقدرات هائلة في الصمود والتحدي أمام المحتل، وصورة حية عن الأمل الذي لا ينال منه اليأس إطلاقا بأن شمس الحرية ستشرق يوما ما ، والنصر الموعود آت لا محالة.
Views: 3