.
الفنان والباحث حسين صقور .الفينيق . مكتب المعارض والصالات
ضمن صالة الشعب –في دمشق .. 15-9 -2021
هي أول أنثى رفرفت بجناحي التشكيل ومهدت عبره الطريق لمثيلاتها للرسم في المقاهي والخانات وبين الناس وعلى أرصفة الطرقات فصار الفن غايتها و كفايتها عشقته وأنجبت منه المزيد من اللوحات بحجم ألمها المبدع وبحجم التطلعات وكان لها الفضل على الكثير من الفنانين والفنانات فكانت بحق هي الأم بشهادة شمس اللاذقية وبحرها وهوائها بشهادة أرضها وسمائها بشهادة كل من صادفها وسمعها وعرفها وبشهادتي أنا أقول كان لقائي معها حين أقمت معرضي الأول في نقابة الفنون التشكيلية..الاتحاد حالياً ( دموع آدم )كنت ألملم شتات أفكاري عند الطوابق العلوية وعند مدخل بيتها الذي استدللت عليه من مقربين كنت فريسة للارتباك وقد أسعفني لساني بكلمة عفوية تساءلت عن خلفياتها هناك (صباح الخير أمي ) .. كان غرضي إيصال البطاقة ولكني … وجدت نفسي ألبي دعوتها وأنقاد (حابساً أنفاسي والدموع ) إلى رغبتي في استكشاف حديقتها .. لوحات.. لوحات .. تحف كنوز وأيقونات أمسكت بخيط الحوار عبر لوحة شفافة من البدايات تجلت المصداقية من خلالها وفي خيط يربط التجربة منذ مراحلها الأكاديمية إلى الواقعية والتعبيرية إلى وإلى … الخيط هو روح الفنان وبصمته التي تلازمه والتي لا يختلف عليها اثنان
ليلى نصير التي لبت دعوتي وشرفتني بالحضور لازالت كلماتها نيشاناً على الطريق يزين أوراق الجريدة التي اقتنيت منها أكثر من عدد واقتصصت منها (فنان سوري على مستوى الوطن ) أشكرك يا أمي .. واعذريني فأنا حين تملأني المشاعر أضيِّع كلمات الشوق والحنين .. واعذريني لأني تأخرت فجميلك لا يرد مهما فعلت .. فأنت أكبر من كل الكلمات ومن كل ما قيل عنك وطرح من كتابات
وفي رسالتي هذه أجد لزاماً علي أن أبرر وأقول أني لم ولن أورط نفسي في الإجابة عن تساؤلات تتعلق بغيابي عن معارض تكريميّة لأعلام وأصدقاء لم يغادروني ولم أغادرهم يوماً منهم من لازالوا على قيد العطاء ومنهم من غيبهم الموت عن أرض بحجم المراوغة والنفاق فعاشوا في ذاكرتنا أتقياء أما لماذا فالجواب في قلب كل من عرفوني وخبروا الطريق
الفنانة ليلى نصير التي كما يبدو لي أنها نشأت في زمن كانت كل الأعمال فيه تنسب إلى الرجولة التي فرضتها الحياة عليها فترعرع في داخلها عشقٌ وشوق إليها ويؤكد ما أقوله ذاك النمط ألذكوري لتكوينات طولا نية صامتة تعكس تعابير صارمة وحادة وقادرة على سبر أغوار الألم الإنساني والحتمي في صراع البقاء وجدلية أكون أو لا أكون وهنا يصير الألم عندها زاداً يتوزع على ضفتي الطريق تتغذى منه ليلى قبل أن تغذي فيه أعمالها وتلك هي أقصى حدود المصداقية والعطاء حين تصير شهيدة للفن تختبر بروحها وجسدها عذابات الإنسان ثم تعطي في سخاء
ليلى نصير .. أمي .. أنا مدين لك باعتذار
فأنا أقل من الحديث عن أعمالك وأنت أكبر من كل الكلمات ولكن ولأجل البعض سوف أوجز بجمل و اختصارات
حتى وإن بدا التعامل مع الباستيل فيه سهولة من حيث الشكل وحتى وإن بدت الحلول المرتبطة بالدرجات اللونية جاهزة وذلك كونه لا يحتاج إلى وسائط مختلفة ومعقدة كما في الألوان السائلة والزيتية ..حتى لو .. كل ما ذكرته آنفاً .. فإني أقول من اختبر الباستيل .. يدرك لمَ عدد الفنانين في هذا المجال قليل .. فلا مجال هنا لتغطية أو مسح أو إلغاء وخط الرسم هنا هو الموجز الذي يختصر الشكل النهائي للعمل بينما تأتي الدرجات والقيم اللونية الغنية والمتنوعة من خلال التجاورات
ليلى نصير وعبر تنظيم وتخطيط مسبق للعمل استطاعت أن توظف الباستيل بكل إمكاناته لخلق عمل يشبهها كما يشبه وجهاً ينتمي إلى الجذور وإلى الحضارات القديمة والفراعنة ويبدو أن ذاكرتها لازالت متقدة .. تحن إلى أيام الدراسة وإلى ملامح على ضفاف النيل أو إلى جوار خوفو والأهرامات أو عند قاعدة الحارس القائم و الأبدي أبي الهول تراقب شاخصة كل ما سيعقبها من حضارات وهي لا تزال تجمع بين الذكورة في ملامحها الحادة والطولانية والأنوثة في حركاتها الحانية والتعبيرية وفي رقتها وشفافيتها عبر درجات متناهية في الفتاحة من بنفسحيات ورماديات تعكس إحساساً ضبابياً وكأننا نرى ذاك النظام الهندسي والكوني ومن خلف زجاج نافذة في الخلفية وهي تقيم عملها وفق ثنائيات متجاورة تتشابك وتتشابه عبر حركات الأيدي والأكف أعلى الرأس في أحيان وأسفل الصدر في أخرى كما قول أو حكمة موجهة تلخصها لأجيال تعتبر مأخوذة بقوة وسحر التعبير .
في أعمال ليلى يبدو أن لكل عمل قصة وهي بالمجمل تخدم الدراما والتعبير والحب أما في قصة الحمل نجد المرأة تتربع على عرش الوطن فهي الوطن وهي الأم الساهرة على أوجاع أبنائها وأتراحهم وهي الحبلى والحامل لهمومه وهمومهم وهنا نراها تحتضن صورته مؤكدة أن الحب هو القيمة الوحيدة والخالدة في الإنسان .
وهي لا تتوانى عن وضع إحدى مكونات العمل في اتجاه أفقي يمتد بنفس الروح ويكسر نظامها الشاقولي في محاولة للتنويع والخروج عن المألوف
وأخيراً لا يمكن أن ننهي قبل أن أن نمر على أعمال فتحت أفقاً أوسع لليلى في مجال التكنيك وذلك حين اعتمدت الألوان السائلة والزيت إلى جوار الباستيل لتشدك عبر مزاوجة بصرية إلى مزيد من التأمل في شكل يخفي أشكال وتصير القراءة بألف احتمال .
في النهاية أقول: أم الفنانين وأمي الحنونة ليلى أرجو من الله أن يديم عطاءك والصحة
كان لي شرف المرور وكلي أمل … أن يصل اليك ماخطه ما خطه قلبي بحبور
Views: 0