عانت المرأة السورية خلال مراحل تاريخية متعددة من الظلم والحرمان في مجتمع ذكوري لا يقيم وزنا للأنثى التي يتعامل معها في كثير من الأحيان وكأنها قطعة من أثاث المنزل، ليس أكثر من ذلك ، وخاصة في المناطق الريفية، حيث تنوعت أشكال ذلك الظلم بين حرمانها من حقها في الميراث وحقها في التعليم، وحقها في اختيار زوجها ورفيق دربها.
مع مرور الزمن وانفتاح المجتمعات، والتطور الذي وصلت إليه البشرية نجحت المرأة السورية في الحصول على بعض حقوقها، فالمتتبع لحركة تطور المجتمع السوري يجد أن فرص المرأة في التعليم أصبحت موازية للرجل تقريبا، وحقها في الإرث مكفول شرعا وقانونا، رغم وجود بعض حالات الحرمان إلى يومنا هذا نتيجة بعض التقاليد الاجتماعية التي تعرقل حصول المرأة على حقوقها كما الرجل، ربما نجحت المرأة كذلك في إسقاط هيمنة الرجل على حقها في اختيار رفيق حياتها، لكن ذلك لم يغيب الصورة القديمة تماما فمازلنا نسمع إلى يومنا هذا عن بعض حالات إجبار الفتيات على الزواج رغما عنهن وأحيانا بسن مبكرة.
نساء سوريات لامعات
واقع يتطلب من المرأة إعلان الثورة، ورفع الصوت عاليا لإيقاف الهيمنة الذكورية للحصول على حقوقها كاملة، والمساواة مع الرجل الذي لا تقل عنه شأنا لا فكرا ولا علما ولا ثقافة، فقد أثبتت المرأة السورية نجاحا متميزا وحضورا لافتا في عديد المجالات حيث أدت دورها على أكمل وجه ، وربما تفوقت على الرجل في بعض الأحيان، ومن أبرز الأسماء النسائية السورية اللامعة نجد اسم المهندسة لين صائب التي نالت جائزة أفضل نساء أوروبا في الهندسة والإنشاءات لعام 2019 عن فئة التنمية الاقتصادية ، وترشحت كممثلة عن شركة”أسايت” البريطانية التي بدأت العمل بها عام 2016 ، ونافست صائب 450 سيدة من مختلف الدول الأوروبية في مسابقة جائزة المرأة الأوروبية في العمارة والهندسة، وحصدت اللقب في المنافسة التي تجري بشكل سنوي على مستوى أوروبا.
مثال آخر على تميز المرأة السورية يظهر اسم اللاجئة السورية مايا غزال التي حازت جائزة إرث ” الأميرة ديانا” عام 2017 عن فئة ” حملات من أجل التغيير” لجهودها مع اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إلى لندن، كما قامت برحلة جوية منفردة لأول مرة في مطار لندن، وتعتبر أول سيدة سورية تقود طائرتها بمفردها في المملكة المتحدة، ونشر موقع ” المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في كانون الأول عام 2019 قصة مايا غزال مشيرا إلى تجربتها الفريدة، ونقل عنها أن” الأمر كان صعبا عليها، ولكن ثقتها بقدراتها شجعها، إذ أنها أرادت تحدي الصورة النمطية للفتاة المحجبة والمسلمات عموما”.
من الأمثلة على نجاح المرأة السورية كذلك يظهر اسم الدكتورة صفاء القمري التي تم اختيارها من بين أكثر 100 امرأة مؤثرة لعام 2020، ضمن القائمة السنوية لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC” ، وذلك بوصفها عالمة متخصصة في عالم الفيروسات النباتية، وتبحث عن علاجات للأوبئة التي تعيث بالمحاصيل الزراعية فسادا.
إن الأسماء السابقة أمثلة بسيطة على بعض صور تميز المرأة السورية، ولو أردنا عرض القائمة بأكملها لوصلنا لعشرات النساء السوريات المبدعات وربما أكثر، فالمرأة السورية أثبتت أنها قادرة وبإمكانها صنع المعجزات.
دور المرأة السورية في إعادة الإعمار
إن المرحلة المقبلة التي تدخلها سوريا مرحلة مهمة جدا في إعادة بناء وترميم ما دمرته الحرب خلال السنوات الماضية، وهذا يتطلب تضافر جهود جميع أبنائها من الرجال والنساء اللواتي يقع عليهن عاتقا كبيرا في المهمة الشاقة المقبلة ، حيث تبدو مهمة المرأة مضاعفة، فهي مطالبة بمساعدة الرجل في البناء، إضافة إلى تهيئة النشء ، وإعداد جيلا واعيا لمخاطر المستقبل، وقادرا على حل مشاكل بلاده ، والمساهمة في تحقيق النقلة النوعية المنتظرة من الواقع المظلم إلى المستقبل المبهر، والمتتبع لتاريخ البلدان التي تعرضت لحروب وتدمير شبيهة بالأحداث السورية يدرك الدور البارز الذي لعبته المرأة في عمليات الإصلاح والبناء بشكل مساوي للرجل وربما متفوق عليه.
الثقة بإمكانيات المرأة ضرورة ملحة
إن المرحلة القادمة تتطلب نظرة مختلفة إلى المرأة باعتبارها كائن بشري قادر على العمل والإنتاج والتميز في جميع المجالات، ومتمكن من الجلوس في موقع القيادة، ومكان اتخاذ القرار، فالمرحلة التي تنتظرنا بحاجة إلى سواعد جميع أبناء الوطن، حيث يشكل تغييب المرأة عن عملية بناء سوريا المستقبل خسارة كبيرة على جميع المستويات، فربما غيبنا عقولا متميزة ، وحجبنا أفكارا ناضجة بإقصائنا لدور المرأة ، وبذلك نكون قد حكمنا على أنفسنا بالخسارة ، وهذا يفرض على المرأة من جهة أخرى المزيد من الثقة بنفسها وبقدراتها المتميزة ، وإمكانياتها العظيمة التي لا تقل عن إمكانيات الرجل، فهي قادرة إذا رغبت، ومبدعة إذا أرادت.
Views: 11
