لو فرضنا أنني نزلت الى الشارع ومعي “ميكروفون” وبدأت أسأل من حولي (هل سبق لك وسمعت اسم ماري كوري) اعتقد أن الأجوبة ستكون على النحو التالي:
-لا أتابع أي فرقة غنائية كورية ولا أحب مسلسلاتهم!
-سمعت اسمها في برنامج حدث في مثل هذا اليوم لكني لا اذكر من هي!
-ربما خياطة مشهورة في أحد أحياء دمشق القديمة!
-إنها عالمة قديمة مشهورة وحصلت على جائزة نوبل.
نعم الإجابة الأخيرة صحيحة تماماً، لهذه السيدة العظيمة أثر في علم الفيزياء والكيمياء مهم للغاية لكني استضفتها اليوم في موقع ديمبرس لشأن آخر تماماً، لن أسرد سيرتها الذاتية بل سأُظهر لكم كيف وصلت لهذا الموقع الرفيع وسأثبت لكم أنه “وراء كل امرأة عظيمة رجل شجّع وحثّ وساند ودعم”..
بإختصار شديد “ماري كوري” امرأة بولندية من أسرة أضحت فقيرة نتيجة ظروف البلد السياسية والإقتصادية حينها، وبالطبع عانت كثيراً جرّاء تلك القلة المادية وتأخر حُلمها بالسفر إلى فرنسا ودخول جامعة “السوربون” سنوات عدة عملت بها كمُربّية ومُدرّسة في منازل الأثرياء ثم في الدروس الخصوصية هنا وهناك لكنها فشلت في جمع ما يؤهّلها للهجرة، حتى جاءت دعوة أختها المتزوجة والمقيمة في باريس بمساعدتها قدر الإمكان بتكاليف السفر والإقامة، فعلاً تم ذلك وواصلت إعطاء الدروس هناك معتمدة على نفسها بمردود ضئيل يغطي مصاريف الدراسة والسكن بشق الأنفس واستطاعت الفوز بمراتب علمية في الفيزياء والرياضيات.. إلى هنا وماري اسم عادي لم يكن ليلمع ونذكره بعد حوالي 100 عام لولا تغيير زوجها الجذري لحياتها..
ميولها للبحث العلمي في الخواص المغناطيسية لأنواع الفولاذ هو المجال الذي عرّفها على رجل ذي علم يملك غرفة صغيرة قديمة يجري فيها اختباراته في أحد الأحياء الباريسية يُدعى “بيير كوري” لتتحول تلك الشابة من عادية الى عالمة على يد مدرس الفيزياء والعالم الفذ، حيث وجد فيها شغفاً غير مألوف وطاقة جبّارة تجعلها تصل الليل بالنهار دون تعب لذا سخّر غرفة المختبر الصغيرة خاصته وأدواته وعلمه ووقته لأجلها لاحقاً أتبع كل ما سبق بتسخير قلبه وحبه لأجلها أيضاً، تزوجا بعد قصة حب واهتمام مشترك وقد كان مثالاً للدعم الحقيقي غير المشروط يشبه نزاهة حب الوالدين يريد منها النجاح فقط، بقي ممسكاً بيدها حتى حصلت على لقبين لا مثيل لهما في التاريخ:
” أول امرأة حازت على جائزة نوبل، وأول من حاز على نوبل مرتين بعلمين مختلفين”..
منحها اختراعه الأول “جهاز قياس الشحنة الكهربية” لتطبيق نتائج بحثها، بقي ملازماً لها ومشرفاً عليها تاركاً أبحاثه الخاصة حتى قدّمت أوراقاً علمية حديثة أسفرت عن نيلها شهادة الدكتوراه من جامعة باريس وأصبحت أول امرأة تتسلم عملها ضمن أعضاء مدرسة الأساتذة العليا الفرنسية..
شاركها زوجها “بيير” العلم والاهتمام والهوايات وحتى التقدير حين رفض بعض العلماء أن يقدموا الجائزة باسم امرأة وفضّلوا أن تكون لزوجها لكنه أبى وقدّم تظلّماً وأوصل الأمر لجهات تدعم النساء حتى استعاد لها حقها وفضّل أن يُذكر اسمه معها كمشارك لتحصل هي على جائزة نوبل في ظاهرة الإشعاع وتفتح باب منح الجوائز بوجه السيدات المبدعات اللواتي ظلمن..
لم يُنقص دعمه لها من مكانته بل على العكس زاده رِفعة ونجاح في مجاله المهني والعلمي وحتى الأسري فقد أنجبا ابنتين في جو من الانغماس بالعمل الفيزيائي والكيمائي ورغم جفاف هاتين المادتين وصعوبة الحياة وانعدام الدعم المادي كان للحب والسعادة مكان دائم في هذه الأسرة التي أفرزت بعد حين عالمة فيزيائية جديدة وهي ابنتهما “إيرين كوري” التي حصلت على دكتوراه في الفيزياء وجائزة نوبل في مجال الكيمياء..
جدير بالذكر:
لقب ماري الأصلي هو “سكوودوفسكا” لكنها اختارت كُنية زوجها واحتفظت بها تقديراً منها لرفده الدائم لها، ظل الى الآن اسماً لأفضل جامعات فرنسا واخرى في وارسو وعدة معاهد عالمية ومراكز بحث ومدارس عريقة في أوروبا..
قبل زواجهما بفترة أصرت على الرحيل كي تقدّم الفائدة لبلدها الأم لكن الجامعة هناك رفضت استقبالها فقط لأنها أنثى!! فعادت سريعاً لتجد بيير والنجاح بانتظارها..
بادلت ماري زوجها السند والدعم حينما دفعته لتقديم أوراقه لبحث قديم أجراه فحصل بفضل اهتمامها على درجة الدكتوراه وحجز مقعداً للتدريس في أعرق الكلّيات..
من أبرز أقوالها: “إننا نخاف فقط ما نجهله، ولا يوجد ما يخيفنا على الإطلاق بعد أن نفهمه”..
Views: 0
Discussion about this post